التعامل مع فتق القرص يتطلب إدراكاً من المصاب لماهية الإصابة والوسائل المتاحة للعلاج
الرياض: د. حسن محمد صندقجي
أعلن باحثون من الولايات المتحدة في الثالث عشر من الشهر الجاري عن وضع البروتوكول الخاص ببحث استشرافي يدرس التكلفة والفائدة للمقارنة بين قطع نتوء قرص ما بين فقرات الظهر المسبب للأعراض بواسطة منظار دقيق، وبين العملية الجراحية المعتادة لإصلاح ذلك. كما أعلن باحثون من جورجيا في الأسبوع الأول من الشهر وضمن فعالىات المؤتمر السنوي الرابع والأربعين للمجمع الأميركي للأشعة العصبية الذي عُقد في سان دييغوبالولايات المتحدة أن طريقة إزالة نتوء فتق القرص بالتدخل المحدود عبر الإبرة الرفيعة من خلال الجلد يُفيد في 85% من الحالات إذا ما تم انتقاء المناسب منها لهذه الطريقة. وفي تطور سابق وضمن فعالىات المؤتمر السنوي للرابطة الأميركية لجراحي الأعصاب الذي عُقد أواخر الشهر الماضي بسان فرانسسكوأعلن الباحثون من شيكاغوأن طريقة المنظار الدقيق ذات نسبة عالىة في نجاح تخفيف أعراض المرضى. كما عرضت في المؤتمر دراستان قارنتا بين زراعة قرص صناعي بدل القرص المتهتك وبين عملية تلحيم الفقرات، وأشارتا إلى أفضلية الطريقة الأولى في بلوغ تخفيف الأعراض وسرعة التحسن فيها.
* إدراك لابد منه استخدام عبارة الانزلاق الغضروفي خطأ شائع بين الناس وانساق الأطباء في استخدامه عند ترجمة الوصف اللاتيني للمرض، والوصف الدقيق هوفتق قرص ما بين الفقرات كما سيأتي. وتسبب الترجمة الخاطئة قصوراً في تصور المريض لما ألم به وبالتالى تشويش ذهنه في فهم فوائد الوسائل العلاجية غير الجراحية وأيضاً في إدراك مدى مناسبة أي نوع من العلاج الجراحي لحالة مرضه عند مناقشته الأمر مع طبيبه.
وفتق قرص ما بين فقرات الظهر يمكن أن يسبب ألماً شديداً يُؤثر بشكل بالغ على كيفية ونوعية أداء الإنسان للأنشطة البدنية في حياته الىومية العملية والاجتماعية. وقرار العلاج وكيفية تطبيقيه ضمن الخيارات العديدة المتاحة الىوم في مراكز العلاج الجراحي العصبي والتدخلي العصبي بالأشعة، يخضع لمجريات النقاش بين الطبيب والمريض وفق ضوابط تحددها حالة الفتق لحلقة القرص، ومدى تأثير تداعياته على أنشطة المريض الحياتية، ومدى ملاءمة أي من خيارات العلاج لها، ورغبة المريض في أي منها، وإمكانيات توفر نوع الوسيلة العلاجية، وخبرات الأطباء فيها، فليس ثمة وسيلة مناسبة لكل الحالات، كما أن حاجة المريض الى أي منها قد تختلف من وقت لآخر. وهذا الأمر هو لب الموضوع، وإدراكه بشكل سليم هو ثمرة طبيعية لفهم ماهية الفتق القرصي وماهية تداعياته وما أنواع العلاج المُتاحة ومدى فائدة كل وسيلة منها وإمكانيات إجرائها. ولأن حالات الفتق هذه شائعة وأسبابها متعددة وتطال الناس من كلا الجنسين في كافة الأعمار تقريباً وتداعياتها تتفاوت من مريض لأخر، بل من آن لأخر لدى نفس المريض، فإن علىنا أن ندرك جملة من الأمور كي نتصور العلاج المناسب ومدى الاستفادة منها. والعرض سيكون هنا حول ما يصيب أقراص ما بين فقرات الظهر السفلية دون الحديث عن فقرات الرقبة نظراً لعدم إمكانية المقام شمول كلا الأمرين بالحديث.
* التركيب التشريحي والوظيفي الظهر عند الإنسان عبارة عن شبكة معقدة من العظام والأربطة والعضلات والأعصاب، تترتب وفق نظام معقد جداً يُجانس في ما بينها كي يُمكن الإنسان الحفاظ على توازن جسمه، ومن القيام بمدى واسع من الحركات، ويزود الأطراف السفلى وتراكيب الحوض والبطن بالشبكة العصبية المنظمة والمسيطرة على أداء حركاتها ووظائفها.
ويُنظر الى العامود الفقري على أنه عمود الجسم وأساس تشكيل هيئته. وتلتصق به أجزاء الجسم من الأطراف والصدر والبطن والحوض والرأس. ويتكون العمود الفقري من قطع عظمية موضوعة الواحدة فوق الأخرى ويثبّت ترابطها بعضها ببعض أربطة ليفية صلبة. ويتكون العمود الفقري من 7 فقرات في الرقبة تليها 12 فقرة في منطقة الصدر، ثم 5 فقرات كبيرة في منطقة البطن، ودونها قطعة واحدة طويلة مكونة ملتحمة.
ويمتد من الدماغ حبل عصبي يمر من خلال تجويف أنبوبي كبير داخل الفقرات. ويتفرع من هذا الحبل العصبي أعصاب طرفية تغذي أجزاء مختلفة في الصدر والبطن والحوض والأطراف العلوية والسفلية. وهذه الأعصاب تخرج من تجويف قناة العامود الفقري من خلال فتحات جانبية، تقع بين العظم والأربطة، وذلك بمعدل عصب في كل جهة، أي على الجانبين لكل فقرة. وعدد الأعصاب هو31 زوجا.
وبين كل فقرة والأخرى التي فوقها أو تحتها تُوجد وسادة أو قرص ليفي يمنع احتكاك عظام الفقرات ويعطي لأجزاء العامود مرونة تمكنها من الحركة. أي أن بوجودها يُصبح بمقدور العامود العظمي الصلب أن ينحني الى الأمام بشكل كبير، والى الخلف بشكل يسير وكذا على الجانبين. وأساس فهم الفتق وخروج سوائل لبه ونواته، والتداعيات الناجمة عنه، هو تصور تركيب بنية القرص. فالقرص الليفي مكون من جزأين، الجزء الخارجي عبارة عن حلقة ليفية صلبة تشكل إطاراً يحفظ محتويات القرص الداخلية. والجزء الداخلي أونواة القرص عبارة عن مادة هلامية كالجلي. ويتكون القرص من الماء بنسبة 80%، ولا تتم تغذيته بالدم بشكل مباشر. وكلما تقدم أحدنا في العمر كلما أصبحت مكونات القرص أشد صلابة وأكثر جفافاً. وعملية التغير في كمية الماء هذه تبدأ في سن الثلاثين، وببلوغ الخمسين تجف نواة القرص وتغدو ليفية مثل الإطار أو الحلقة الخارجية له. وحول العمود الفقري تتوزع العضلات بأشكال مختلفة لإعطاء دعم وثبات لوضعية الفقرات فوق بعضها البعض ولتخفيف عبء الضغط على الأقراص في ما بينها وللتمكين أيضاً من حركات جذع الجسم.
* عرضة الإصابة والتشخيص من هو أكثر عُرضة للإصابة بالفتق القرصي، سؤال يُحاول الباحثون الإجابة عنه، لكن لا تُوجد إجابة محددة لذلك. والمعروف أن فقرات أسفل الظهر أكثر عرضة للإصابة. وأنه أكثر شيوعاً لدى من هم في ما بين الثلاثينات والأربعينات من العمر. وأن الرجال أكثر إصابة من النساء، وخاصة منهم من يُمارسون أعمالاً بشكل خاطئ كطريقة رفع وحمل الأشياء الثقيلة، أو وضعية الجلوس وغيرها.
والتشخيص لألم في الظهر أو ممتد الى خلف الفخذ يعتمد على نوعية وصف المصاب به له. والطبيب حين الفحص يُجري اختبارات لمدى حساسية الأعصاب للتأثر بأوضاع قد تجعل من السهل زيادة الضغط عليها من قبل المادة المتسربة خلال الفتق، وأهمها محاولة رفع الطرف السفلي حين الاستلقاء على الظهر ومعرفة الى أي مدى يستطيع المريض فعل ذلك مع تثبيت الطرف في الجهة الأخرى.
ومن بين الفحوصات بالأشعة فإن تصوير الرنين المغناطيسي لفقرات الظهر يكشف عادة وجود مادة متسربة من فتق القرص في ما بين الفقرات والمنطقة التي تضغط عليها.
خيارات العلاج الأساس في خيارات العلاج المناسبة لكل حالة هو النقاش مع الطبيب المُطلع على تفاصيل الحالة بشكل خاص. ولا يُمكن إسداء نصائح أو توجيهات تناسب كل المرضى أو تناسب المريض في كل الأوقات. لكن الخيارات عموماً تنقسم الى قسمين، وسائل علاجية غير جراحية، ووسائل جراحية.
وألم الفتق القرصي لا يُمكن التنبؤ بمساره، بمعنى أنه قد يستمر ما لم يُعالج جراحياً أو بوسائل غير جراحية، وقد يزول دونما أي علاج محدد، وقد يتكرر رغم العلاج.
ولا يلجأ الأطباء الى الحل الجراحي كأول ما يتم فعله إلا في حالات محددة، لأن المادة المتسربة ربما يخف قدرها وتنكمش، وهو ما يحصل لدى حوالي 80% من الحالات في غضون شهر الى شهرين. والحالات التي تستدعي تدخلاً هي ما كان مُصاحباً لها تدهور في قوة العضلات أو فقد للسيطرة على التبول أو التبرز.
* الحاجة لعلاج طارئ للفتق القرصي هناك بعض الأعراض التي تتطلب سرعة في الحضور الى المستشفى ومراجعة الطبيب، وهي:
ـ ضعف العضلات بدرجة واضحة أو استمرار حصوله. كأن يكون بمقدور الإنسان رفع قدمه أو الوقوف على أطراف أصابعه عند بداية ظهور الألم، ثم يغدو من الصعب على المريض فعل ذلك.
ـ فقد سيطرة التحكم على عمليتي التبرز أو التبول أوأحدهما.
ـ فقد الإحساس في المنطقة التي يجلس عليها الإنسان من الالية.
ـ فقد القدرة على حركة أي من الأطراف السفلى.
ـ زيادة متطورة في الألم.
ـ حمى لأكثر من يومين.
ـ ألم يزداد حال الراحة أو في الليل.
* الوسائل غير الجراحية غالب الحالات تستجيب لاتباعها، والهدف منها تخفيف الضغط والتهيج للعصب، إضافة الى تقوية العضلات الداعمة للعامود الفقري. وتشمل هذه الوسائل:
ـ تخفيف الألم عبر تناول مسكنات الألم والأدوية المخففة للشد العضلي وربما حُقن الكورتيزون الموضعية في الظهر، لكن كل هذا وفق توجيهات الطبيب.
ـ تقليل النشاط البدني، والراحة والاستلقاء على فراش ذي سطح صلب نسبياً. وتجنب الجلوس الطويل أو الانحناء أو حمل الأشياء.
ـ الكمادات الباردة أو الدافئة تحت إشراف نصائح الطبيب، وخاصة الحارة لأنها قد تزيد من الألم والالتهاب من خلال زيادة تدفق الدم الى المنطقة المصابة.
ـ حزام الظهر محدود الفائدة وربما يُؤثر سلبياً عبر إضعافه لعضلات الظهر.
ـ العلاج الطبيعي، وهو أفضل ما يُمكن فعله وفق برنامج تحت إشراف متخصص.
* الوسائل الجراحية
* وتنقسم الى نوعين بشكل عام، نوع التدخل الجراحي فيه محدود، ونوع آخر جراحي بالمعنى المعروف من فتح للجلد وإجراء عملية في الجزء المصاب من الأقراص. والهدف من أي منهما هو إبعاد النتوء المتسرب من فتق القرص عن الأعصاب وتخفيف الألم بالتالي. وعادة ما يتريث الأطباء في إجراء أي منها. والحل المثالي هو العملية الجراحية، لكن الأطباء يُحاولون إيجاد وسائل محدودة التدخل وأقل إرهاقاً من العملية الجراحية.